روائع مختارة | قطوف إيمانية | التربية الإيمانية | التدين.. حقيقته وعلاماته

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > التربية الإيمانية > التدين.. حقيقته وعلاماته


  التدين.. حقيقته وعلاماته
     عدد مرات المشاهدة: 3259        عدد مرات الإرسال: 0

التدين مصطلح  يذكره الكثير فيقال فلان متدين أو فلانة متدينة ، فماذا تعني هذه الكلمة التي قد يطلقها البعض عندما يرى تديناً ظاهراً في المظهر دون أن يدرك شيئاً عن المخبر.

أو علم شيئاً عن المخبر دون أن يلتزم بالمظهر ، ولذا أحببت أن أضع صورة للمتدين المتوازن في نفسه والمثالي مع زوجه وأهله.

والمنتج المتعاون في عمله ، وطبيب قلوب في علاج أمراض مجتمعه ، لعلها تساهم في وضوح معنى التدين فيكون مظهرنا ومخبرنا معاً ترجمة حقيقية لهذا المعنى الجميل " التـديـن" .

أولا: شخص متوازن في نفسه

أول صفة للشاب المتدين بحق هي التوازن، ففي الجانب الروحي تراه رقيق الروح، شفاف النفس، صافي القلب ، دائم التطهير لنفسه من أمراض النفس: كالغل والحسد ، مستعيناً بالعبادات لتحقيق ذلك ، فهو مابين صلاة ودعاء ، واستغفار وقنوت وإنابة وتفكر في الآخرة .

 مثقف الفكر

وفى الجانب العقلي تراه مثقفا يأخذ بجانب العلم ، بمفهومة الشامل ، وإن تخصص أدرك أن فرض الكفاية على المجتمع أصبح فرض عين عليه يعرف مبادئ العلوم ، وإطار السياسة العامة التي يسير عليها مجتمعه ، منفتح على تخريج ثقافات العالم يعرف غثها وثمينها ، وما يأخذ منها وما يذر .

 قوي الجسم

وفى الجانب الجسدي يأكل من الطيبات كما أراد القرآن الكريم (كلوا من طيبات ما رزقناكم) ويبادر إلى العلاج مع أول بوادر المرض ويتريض باستمرار ، تطبيقاً للحديث الشريف "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف" .

 متين الخلق

وفى الجانب الأخلاقي تراه متميزا في سلوكه بالأمانة والصدق ، والتواضع والعزة والحياء ، يقابل السيئة بالحسنة ، يعدل في الرضا والغضب ، مقتصد غير مسرف ، لا يعرف الكآبة وطول العبوس في وجوه الناس ، ليس فظاً غليظا ، ولا محباً للشذوذ والمخالفة ، بل يحب الألفة والموافقة ، وصدق رسول الله –صلى الله عليه وسلم- الذي قال: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".

حسن التقدير للأمور

 ومن التوازن أن يقدر الأمور حق قدرها ، فيصغر عنده كل أمر صغير ، ويعظم كل أمر عظيم ، فلا يعطي للشكل اهتماماً فوق الجوهر ، ولا يعطي للجلباب أو اللحية اهتماماً أكبر من فلسطين والعراق وأفغانستان والسودان والصومال وما يحدث في العالم ، لا يهتم بهيئات الصلاة على حساب الخشوع والخضوع .

ثانيا : زوج مثالي

والشاب المتدين في بيته ، وسط أهله وأسرته ، يعرف حق والديه ولو كانا مشركين كما جاء في القرآن الكريم " وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً " وهو مع زوجته ، زوج مثالي ، يستقطع من وقته لأسرته ، وهو خير الناس لأهله ، يحنو على زوجته ، ويكرم نزلها ، ويعفو عن أخطائها ، يتجمل لها كما تتجمل له ، ويتقي الله فيهاز

ولا ينسى فضلها ، لا يظلمها إن أساءت ولا يدعها كالمعلقة لكراهية أو عبادة أو صوم ، أو جلباً لمال من بلد آخر دون داع ، ولا يترفع عن ممارسة بعض أعمال المنزل مع أسرته ، إن أمكن ذلك فقد كان –صلى الله عليه وسلم- في حاجة أهله ، يخصف نعله ، ويرقع ثوبه.

الأب المتدين

والأب المتدين مع أولاده يلاعبهم صغاراً ، ويؤدبهم أشبالاً ، ويؤاخيهم شباباً ، يمنحهم من عاطفته ، كما يمنحهم من ماله ، وينفق قدر سعته عليهم ، وينأى عن النزاع مع زوجته أمامهم ، ويحذر من سوء الحديث إليهم ، ويربيهم على مكارم الأخلاق ، ومحاسن العادات ، والاعتماد على النفس ، والقدرة على مواجهه المواقف.

والايجابية تجاه الواقع ، والحرص على أداء الحقوق والواجبات ، مع البعد عن الابتذال والإسراف والخلاعة والميوعة ، وتضييع الوقت فيما لا ينفع وهذا الزوج والأب المثالي ينطبق عليه حديث الرسول–صلى الله عليه وسلم-: "خيركم .. خيركم لأهله" .

ثالثا: منتج ومتعاون في عمله

والمسلم المتدين يتهيأ لعمله ، كما يتهيأ لصلاته ، فيرى في عمله عبادة كصلاته وصومه ، يبدأ عمله في موعده ، حتى لو لم يتابعه أحد ، لأن الله يراقبه ، ويقوم بعمله بهمة ونشاط ، ويبعد عن الروتين والبيروقراطية ، فلا يقتصر على أداء ما يطلب.

بل يقترح ويبتكر ويتفوق ، وعلاقته مع زملائه أبعد ما تكون عن الوشاية ، والحقد والحسد والغل والكذب ، ولا يعرف الاحتكار أو الجشع ، أو الغش والخداع، أو الرشوة إن كان تاجراً أو رجل أعمال ، فالغاية عنده لا تبرر الوسيلة أما إذا كان موظفاً ، فيقوم على أداء حوائج الجمهور بطيب خاطر ولا يعطلهم ، يبتسم في وجوههم.

فقد أخبرنا الرسول الكريم أن تبسمك في وجه أخيك صدقة ، وهو لا ينافق المسئول أو رئيسه ، ولا يبارك أخطاءه ، ولا يزكي سوء الخلق ، بل ينصح في أدب جم ، ويقاوم التسلط والتجبر على نفسه أو على زملائه.

رابعاً: طبيب قلوب لأمراض مجتمعه

وعن سلوك الشاب المتدين في مجتمعه وأمته ، إنه يعرف أولا أن لجيرانه حقا عليه ، وجاء في الحديث الشريف: "مازال جبريل يوصيني بالجار، حتى ظننت أنه سيورثه"، فالسلوك الطيب تجاه الجار أمر مطلوب ، حتى ولو كان لا يصلي، أو يرتكب منكراً كشرب الخمر ، بل إن هذا يوجب مزيداً من اهتمام المتدين بهذا الجار حتى ينقذه مما هو فيه.

فالداعية "طبيب قلوب" عالج نفسه أولا ، ثم أخذ في مداواة الناس ، من كل ما يخالف تعليم الشرع ، وهو يدعو غيره إلى الخير برفق ولين ورحمة وتودد (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) ودون غلظة (لَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ) .

والمتدين الداعية ، الذي يدعو غيرة إلى التمسك بتعاليم الدين ، لابد أن يراعي سنة الله في التدرج ، وهو يحترم الأعراف التي لا تخالف الشرع ، مثل الملابس وغيرها ، ويحرص على موافقة الناس فيما ليس بمعصية.

المتدين على طريق الإسلام الصحيح ، يحرص على هندامه ، والاعتناء بملابسه دون إسراف أو خيلاء أو تكبر ، فالرسول –صلى الله عليه وسلم- أخبرنا أن "الله جميل يحب الجمال".

والشاب المتدين يرى حق مجتمعه عليه ، قبل أن يطالب بحقوقه ، وينشر الخير، وينادي بالفضائل ، ويحث على النظافة والعفة والطهر والنقاء ، وهو دائما إيجابي تجاه مجتمعه ، يتقدم بكل حل مفيد لمشاكل مجتمعه.

وهو يسارع عند المغرم ، ويعف عند المغنم ، ويحترم كل الناس ، فيوقر الكبير ، ويحنو على الصغير، يحركه في كل ذلك إيمان عميق بالله ، يصل إلى مرتبة الإحسان ، فهو يتصرف في كل سلوكه بما يتطلبه دينه من أخلاقيات الإسلام ، فمن الإساءة أن يعبد المسلم الله ، ويخشع في صلاته ، ثم يعامل الناس بأخلاقيات بعيدة عن تعاليم الدين .

لو توافرت للدعاة إلى الله والمتدينين ، هذه الفضائل ، وكان دعاة الإسلام ، قدوة، لشقت الشريعة الإسلامية ، طريقها إلى التطبيق العملي بسرعة ، وفى يسر ودون صعوبة ، فشريعتنا الغراء ، نظام متكامل ، وقبل أن تكون حدوداً تقام ، فهي أولا طهارة قلب لمن تعلق بها.

وأخلاق تنعكس على السلوك في المجتمع ، وصدق الله العظيم وهو يخاطب رسوله "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين".                                                           

الكاتب: أ.د. صلاح الدين سلطان

المصدر: موقع أ.د. صلاح الدين سلطان